سياسة التنظيم المدني في لبنان

مدير عام التنظيم المدني السابق المهندس المدني الأستاذ محمد فواز المتخرج من معهد الهندسة العالي لجامعة القديس يوسف في بيروت عام 1954، ومن المعهد الوطني للجسور والطرق في باريس عام 1959، والذي عمل في مراكز قيادية  في الادارة اللبنانية لمدة 40 سنة تقريبا، رئيسا لمصلحة الدروس في مديرية التنظيم المدني، ورئيسا لمصلحة الدروس الفنية والبرامج في مجلس المشاريع الأنشائية، ومديرا عاما للتجهيز المائي والكهربائي، وايضا للتنظيم المدني، ورئيسا للمجلس الأعلى في مديرية التنظيم المدني، ورئيسا لمجلس تنفيذ المشاريع الانشائية.

قدَّم أكثر من تسعين دراسة ومحاضرة في حقول المياه والنقل والاسكان والبيئة والتنظيم المدني والانماء المحلي والوطني. وأعدَّ في الاعوام المتتالية 1969 و 2002 و2005 و 2008 كتبا عِلْمية مهمّة عناوينها "سياسة لبنان المائية، أنماء لبنان، التنظيم المدني في لبنان، نحو سياسة مائية في لبنان."

 كما أعدَّ المهندس محمد فواز كتابه عام 2010، "نحو سياسة عامة شاملة للتنظيم المدني في لبنان" هو وباختصار نتيجة مهماته التي تولاها في الادارات العامة اللبنانية، والخبرة الطويلة التي استقاها.  

فأثناء ادارته للتجهيز المائي والكهربائي في لبنان، تعمَّق المهندس الاستاذ محمد فواز في معرفة جيولوجية الأرض والتربة والثروة المائية السطحية والجوفية، وامكانات التخزين في أرض لبنان. وعمل على تنفيذ قسم كبير من مشروع توصيل الكهرباء الى نحو 99% من سكان لبنان، وعلى تأمين مياه الشرب الى نحو 94% من سكان القرى والمدن اللبنانية واضعا بعدها في العام 1969 كتابه سياسة لبنان المائية.

وأثناء ترؤُّسه مديرية التنظيم المدني، درس بالتفصيل ثروات لبنان الطبيعية والبيئية والأثرية والتراثية، ونظَّم سبُل حمايتها، وعالج مشاكل الامتداد العمراني، ووضع قوانين وأنظمة للتنظيم المدني والبناء، كما وضع التصميم التوجيهي لمدينة بيروت، الممتد من نهر الدامور الى نهر الكلب، والتصاميم والأنظمة المُفصَّلة لعدد كبير من المدن والقرى في لبنان.

وأثناء ترؤسه مجلس تنفيذ المشاريع الانشائية، استكمل وفريق العمل في المجلس، الدراسات التفصيلية لشبكة الأوتوسترادات في لبنان، ويقارب طولها مجتمعة 280 كلم، وأشرف على تنفيذ حوالي 50 كلم منها، أضافة الى تأهيل الأوتوسترادات القديمة.

كتاب المهندس محمد فواز العلمي " نحو سياسة للتنظيم المدني في لبنان" هو بذات الأهمية لكل فرد منا، كونه يضيء على وقائع ودراسات (يتعمَّد معظم المسؤولين أخفاءها وعدم توضيحها) ويُرشد أي مواطن لبناني أو غير لبناني الى أهمية وجود التنظيم المدني، والى ضرورة مساندته لا سيما أن التخطيطات توضع وتنفذ لصالح البشر والحجر حرصا على الانسان وتطوره.    

يناقش المهندس محمد فواز في كتابه " نحو سياسة للتنظيم المدني في لبنان"  الحاجة الى هذه السياسة الشاملة للوطن، فيفصل الأهداف من وضع التصاميم والأنظمة، ويقسمها الى ثلاثة مستويات: خطة انمائية شاملة، تصميم وتنظيم توجيهي، وتصميم وتنظيم تفصيلي. هذه المستويات تراعي في كل خطواتها وتفاصيلها الاعتبارات والاحتياجات المتطورة المحتمل ظهورها، وترمي الى تحسين نوع ونمط حياة السكان، وتركز على الثروات الطبيعية مواكبةً مع القدرات البشرية المتوفرة.

وهذا التخطيط المفصل يشكل الخيارات الأساسية لاستعمال الاراضي والانماء على المستوى الوطني. وبالتالي فأنه يحدد دور لبنان في محيطه القريب وفي العالم خصوصا من الناحية الاقتصادية ويساعد على وضع مشروع موازنة الدولة، وتوجيه أولويات تدخّل القطاع العام. كما تشكل الخطة الاطار الموجِّه للتنمية المستدامة بحيث تلبي الحاجات دون عرقلة أمكانات الأجيال القادمة، مع ضرورة الأخذ في الاعتبار انعكاس قرارات تلك السياسة التنظيمية الحالية على المستقبل.

وبعدما تطرق في توضيحاته الى القوانين مرعية الاجراء، منها قوانين البناء وتسوياته والفرز وغيرهما، تحدث المهندس محمد فواز عن مشكلة التنقل والنقل، والامتداد العمراني، وانتقل الى تحديد وجهة استعمال الاراضي، وسبل معالجة مشكلة التنقل ووسائل النقل.

وتناول المؤلف والمعدّ للكتاب، المهندس محمد فواز مسألة التنظيم المدني والزراعة، فتحدث عن اهمية الزراعة التي يمكن من خلالها زيادة الناتج المحلي الذي مثَّل في العام 2010، 15% منه، وهو الى ازدياد، لا سيما ان مساحة الاراضي القابلة للزراعة هي ثلث مساحة لبنان اي 350،000 هكتار تقريبا.

كما تحدث عن تصنيف الاراضي الزراعية وحمايتها من الامتداد العمراني، وأدخل في بحثه وزارتي الزراعة والطاقة والمياه لوضع خرائط تصنيف وخرائط مشاريع الري، لوضع التصاميم من قبل وزارة الاشغال العامة والنقل ومديرية التنظيم المدني.

ثم تناول مسألة الصناعة ووحداتها، وتصنيف الاراضي الصناعية. وشدد على ضرورة اجراء دراسات ميدانية واحصائية لتحديد الواقع الصناعي بهدف تنمية الصناعة اللبنانية وتنشيط المنافسة، لكنه حتّم توفير البنية التحتية الفعالة، والقاعدة المؤسساتية والبشرية، لحل مشكلة النمو غير المتوازن.

ثم تحدث المهندس فوازعن رأي التنظيم المدني حيال المنافسة الصناعية، وعن ضرورة ايجاد الأرضية السليمة لها، واضعا شروطا للتطبيق عند البناء لمؤسسة صناعية، ريثما يتم أيجاد خطة شاملة يتبعها كل لبنان بهذا الشأن.

وتحدث فواز عن نتائج عدة اجتماعات للمجلس الاعلى للتنظيم، بشأن تصنيف الاراضي الصناعية، والتي أدخلت في الحسبان تدخل وزارات أخرى لكي تساهم وتشارك في تقريرأنشاء تلك المؤسسات الصناعية. كما تطرق الى  المبادىء الاساسية المفروض توافرها للموافقة على انشاء منطقة صناعية.

وانتقل فواز في كتابه للبحث بشأن الشواطىء البحرية، والاعمار حولها، وسبل حل مشاكلها. كذلك بحث في شجون المقالع والكسارات، واقترح في كل جزء مختلف، سياسة لا بد من اتباعها للوصول الى حلول بشأنها.

ثم دخل المهندس محمد فواز في الشق العقاري وهو شق هام جدا، حيث تحدث عن شوائب الكلفة والاسعار والاسباب، وعن مالكي العقارات، وقارن كل هذا بتجارب البلدان المتقدمة، للحد من المضاربات العقارية. وبحث في موقع لبنان من كل هذه المسألة العقارية. ودعا فواز الى اعتماد سياسة عقارية حديثة، تستند الى دراسة اقتصادية – اجتماعية يضعها أكفاء اختصاصيون مجردين من الغايات، بحيث تضع هذه الدراسة عند الالتزام بها حدا لانفلات السوق العقاري.

وناقش المهندس فواز في الفصل الثالث عشر من كتابه سياسة التنظيم المدني في لبنان، حرية التصرف بالملكية الفردية، فتحدث عن العلاقة بين الارض وعمل التنظيم المدني، وتدخُّل السلطة العامة في عمل التنظيم المدني، وتاريخ الصناعة في لبنان، والحرية النظرية لتصرف المالك في ملكه، مقارنة مع الحاصل عمليا على الارض، معللا ان التنظيم المدني يرمي في سياسة التنظيم للاراضي وتصنيفها، الى قيام السلطة العامة بدور الحكم، الذي يحمي الآخرين من الضرر الذي يمكن ان يسببه لهم هذا الفرد مالك الارض، والعكس صحيح. كما يرمي الى الحفاظ على البيئة، وتأمين التوازن بين العمل والسكن، مع امكانية التعويض بموجب القوانين النافذة.

وختم المؤلف المهندس محمد فواز كتابه متحدثا عن مسؤولية مديرية التنظيم المدني في وضع مشاريع القوانين والانظمة والدراسات، وشروط البناء العمراني، وتحديد استعمال الاراضي، بالاشتراك مع المجالس البلدية، والمجلس الاعلى للتنظيم، والمديرية العامة له، مقترحا ضرورة تقوية السلطات المحلية وتحميلها المسؤولية ( البلديات)، وفرض هيبة القوانين وتوعية المواطن!!

كتاب قيِّم لأن من أعدّه من أصحاب الأخلاق القويمة العالية، ولأن الكتاب يمثل الاندفاع الذاتي المنطلق من محبة المؤلف للوطن والانسان فيه._ انتهى._

تعليق:

يبقى السؤال: كيف يمكن تحميل المجالس البلدية المسؤوليات، وهم من يخالف القوانين، ويهتك حرمات الدستور والأنظمة والقوانين مرعية الاجراء؟ فمن يحاسب من؟

لبنان  في عصر الانفلات الكلي، وما ننظره عبر شاشات التلفزة، ونقرأه عبر صفحات الجرائد، ليس هو الا بهرجة يختبىء وراءها العجز السياسي التام، وعدم وجود أي استعداد لأصلاح الأحوال. للأسف لبنان من سيء الى أسوأ! وما الكيديات وعدم وضع حد لها سوى الدليل القاطع على الانفلات وعدم الضبط والعقاب.

مع الاشارة الى ان الكتاب تنقصه خرائط توضيحية، وتفصيل حول تصنيف الاراضي وحماية مجاري الانهر، ليس فقط ضبط الامتداد العمراني قرب الشواطىء البحرية!

الشكر والتقدير للمهندس محمد فواز صاحب تلك المبادرة المفيدة، على أمل وضع المزيد من خبراته في كتب قيمة كهذا.