كتب القاضي بسام الحاج
كما أَنّ للأفراد عطلة وإجازة..... فإنّ للجمهوريّة في بلاد الأرز عطلة وإجازة من نوع آخر.
وقد شهِد تاريخ لبنان الحديث على حصول أربع إجازات للجمهوريّة... كان أكثرها وأطولها في زمن ما اصطلح على تسميته ''الجمهوريّة الثانية.
وقد تمثلت تلك الإجازات بانتهاء ولاية الرئيس وتعذر انتخاب رئيس جديد، إلا بعد مدة من الزمن، امتدت في بعض المرات على مدى ما يقارب السنتين ونصف السنة.
هذا، إذا وضعنا جانباً الحالة التي حصلت في العهد الاستقلالي الأول والمُجدَّد عند استقالة الرئيس بشارة الخوري في ١٦ أيلول سنة ١٩٥٢تحت ضغط الشارع والمعارضة...
وقد انتهت تلك الحالة بعد نحو ستة أيام، بانتخاب النائب كميل شمعون رئيساً للجمهوريّة في ٢٣ أيلول١٩٥٢.
حصل الشغور الأول - والأخطر ربما - مع انتهاء أخرعهود الجمهوريّة الأولى بانتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل في ٢٢ أيلول ١٩٨٨...
وانتهى بانتخاب النائب رينه معوض رئيساً للجمهوريّة في شهر تشرين الثاني 1989 بعد وضع "اتفاق الطائف."
أما الشغور الثاني، فحصل مع انتهاء ولاية الرئيس العماد إميل لحود في ٢٣ تشرين الثاني ٢٠٠٧. وانتهى بعد نحو ستة أشهر بانتخاب قائد الجيش آنذاك "العماد ميشال سليمان" رئيساً للجمهوريّة في ٢٥ أيار ٢٠٠٨، بعد ''اتفاق الدوحة".
وحصل الشغور الثالث، وكان الأطول حتى هذا اليوم، مع انتهاء ولاية الرئيس العماد ميشال سليمان في ٢٥ أيار ٢٠١٤... وانتهى في ٣١ تشرين الأول ٢٠١٦ بانتخاب النائب العماد ميشال عون رئيساً للجمهوريّة.
أما الشغور الرابع، وهو الحاصل حالياُ منذ انتهاء ولاية الرئيس العماد ميشال عون في ٣١ تشرين الأول ٢٠٢٢.
وترافق هذا الشغور الأخير، وللمرة الأولى، مع وجود حكومة تصريف أعمال، بعد أن كانت الحكومة قد اعتُبِرت مستقيلة بحكم الدستور، بعد انتخاب مجلس نيابي جديد في شهر أيار ٢٠٢٢.
وقد أناطت المادة ٦٢ من الدستور صلاحيات رئيس الجمهوريّة، وكالةً، وطيلة فترة الشغور، بمجلس الوزراء.
وقد تناولنا هذا الموضوع ضمن دراسة حديثة صدرت في شهر آذار ٢٠٢٣ تحت عنوان ''تصريف الأعمال الحكومية والشغور الرئاسي''، ضمن مجموعة القانون الإداري والدستوري في ''سلسلة الدراسات القانونية والاجتهاد''.
وطَرحت الدراسة مختلف الإشكاليات المحيطة بهذا الموضوع الشائك، في ضوء أهم الاجتهادات والآراء المتكونة في هذا المجال، مع تصنيف لأهم قرارات مجلس شورى الدولة في لبنان على مدى أكثر من خمسين عاماً.
فعسى ألا تطول إجازة الجمهوريّة هذه المرة، وتتوقف تلك الفتاوى ''غب الطلب'' التي تهبط علينا بين يوم وآخر. علماً أنّ النص الدستوري (الفقرة ٢ من المادة ٦٤ من الدستور) كان حريصاً على القول بأن الحكومة لا تمارس صلاحياتها بعد الاستقالة إلا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال، وذلك من أجل وضع حد للتجاوزات التي سادت في ظل الجمهورية الأولى في هذا المجال.
وقد بيّنا ذلك بالوقائع والأمثلة ضمن دراستنا الآنفة الذكر. وهذا ما يستلزم التعاطي مع هذه المسألة الدستورية بشيء من الخفر، بدلاً من هذا التعاطي معها على طريقة الملك لويس الرابع عشر. (ب.أ.ح.)