حالنا في لبنان ومنذ ما قبل الحرب الأهلية حال حكومات تتوالى وتعمل، ومن دون أن تعي النتائج، لصالح المشروع السرِّي الكلّي العالمي، في أزْمِنَة الخيرات والأزمات: "سيف ذو حدين". فبين الأضرابات المُفْتَعَلة والمُوعَزْ أليها من خلف الستائر، والأِقفال القسْري بأعذارٍ مُحِقَّة وغيرمحقة في آن، ثم العودة الى الأعمال الأِدارية من قِبَل موظفي القطاع العام، تفاجئنا الدولة في كل مرة، بتحضيراتٍ سريعة تجريبية على كل الصُعُدْ، غير مُتْقنة، أهدافها مجهولة، وتُطالعنا بنهجٍ جديد، وببرامج ادارية متطورة الكترونيا، تفرضه على المواطنين فرضا وتعذيباً، لِتَسُوق به الجميع، من دون توفير أدنى اختيارات غير أِلكترونية، لأزالة الصعوبات وتذليل العقبات وتسهيل الجبايات، وتحسين سير الأِدارة، وحفظ حقوق المواطن، والوصول بلبنان الى نهضة اقتصادية ثابتة لا تتزعزع تنفع مطلق لبناني في جمهورية لبنان العظيم...!!_
فالدولة اللبنانية، وكالحيَّة الساحبة الى فريستها مُتَحيِّنةً الفرص، تمارس على مواطنيها شتى أنواع الديكتاتورية الأِدارية – المالية - الضريبية، بغطاءٍ ديموقراطي مميز، وسط تواطوء من كل السياسيين، وتُسَخِّرالأعلام لبسط كل سياسة مالية مرفوضة، وكل سلطة جديدة بحق أو بغير حق. فلكل قفزة زمنية مهرجانها على المنصة الشعبية يختلف عن سابقه من زاوية ما، والشعب يرزح تحت وطأة الفقرالمدقع، والتضييق في سبل العيش بكرامة. وهو يرضخ ويخنع على مضض وينظر فقط ليقول في سرِّه، رافعا يديه الى السماء أِزاء تطنيش المسؤولين لتمرير المخفي: "يا رب ليأت الفرج علينا"._
مهرجانات الفنانيين الأصيلين في لبنان، التي تدعو الى زرع التفاؤل والسلام والفرح في النفوس، كالرحابنة ووديع الصافي وصباح ونصري شمس الدين وفيروز وأيلي شويري وغيرهم غابت تدريجا عن الحضارة اللبنانية، وولَّت الى غير رجعة، وحل مكانها مهرجانات يومية تُقْرَعُ خلالها الطبول، وتُقْفَل الشوارع، ويُندب الأموات، في ظلّ خيالِ مسؤولين أصماء همهم فقط البقاء في مراكزهم لأِرضاء القوة الخفية الآمرة من الخارج، لكن ليس خوفا، أِنما طمعا بملذات هذه الدنيا المتحولة، الملموسة وغير الملموسة. أنهم السياسيون الذين يتآمرون على من سلّمهم أمانة القيادة، فجلسوا في غرفة زجاجية يراقبون، ويخططون لقتل مؤتمنيهم بشتى أنواع ابتكارات الكذب، والأسباب الوهمية المفتعلة._
فالموظف بات أداةً لتحقيق المآرب. أسكته القياديون الذين وظَّفوه من غير كفاءة، وجرّوه الى الفساد، فقبِل وصمِت، وفتح أدراج مكتبه "للبخشيش"، ثم بات من جشعه يفرض القيمة التي تؤمِّن له بناء القصور، والحياة الرغْدة الصاخبة. واليوم وبعدما أُقْفِلت الأِدارات يبكي على حاله ويحاول بشتى الطرق الملتوية تأمين سبل عيشه، والقياديون السياسيون يجرّوه بذلك الى متابعة هدم كيان الدولة اللبنانية كليا ! فيتناطح في الأعلام المأجور، موظفٌ من هنا، ويقابله آخر من هناك، ويعطي أعذاراً بتعطيل الأدارة، فيظلم المواطن ويتحكَّم بحقوقه، بهدف الوصول الى تنفيذ مآرب مالية مطلوبة منهم، يخطط لها السياسيون، فيتابع السياسي تحقيق مكاسبه من الخارج، ليُرضي من زرعه في مجال السياسة وفي أدارة الوطن، وليتبين لاحقا أن هذا السياسي ليس ألا أداة من أدوات هتك الدستور والقانون، تماما مثل الموظف الذي سعى هو لتوظيفه وجعله أداة لمآربه، بعدما حرمه من أبسط حقوقه وهو العيش بكرامة. فالكل يعيش في دوامة الحصول على أدنى مستوى من الحقوق الشخصية._
وزارة المالية أكثر من باقي الوزارات تُخْضِع اليوم كل الشعب لاستخدام "الأون لاين"؟ فهل بات شعب لبنان كله مثقفا الكترونيا؟ وهل الوجاهة الألكترونية دليل عافية للدولة اللبنانية؟ كم هي نسبة الذين يتقنون استخدام الأنترنت؟ أِجراءات ألكترونية مالية - ادارية تَفْرض على كل لبناني أن يحمل ال "سمارت فون" وأن يشترك بخدمة ال "واي فاي" في منزله، وهذا كله استنزاف لمدخراته ولتعبه، وأن يحمل بطاقة ائتمان، وهذا هو الأكثر استهجاناً !! في حين أن المصارف فقَّرت الشعب اللبناني، وبخّرت ادخاراته وودائعه بأيعاز من الخارج، وبطمع وجشع وفوضى واحتيال من الداخل!! واليوم تفرض عليه الدولة عبر الوزارات والمعاملات الادارية استخدام بطاقة الأئتمان والعودة تدريجا الى التعامل مع المصارف، وكأن عمليات الأحتيال والقرصنة على الودائع لم تقع!!_
هل كل اللبنانيين يحملون بطاقات ائتمان؟ وقد باتت في حال وجود رصيد بالحساب المصرفي مُكلِفة وتأكل من مال المودع كالمنشارفي كل عملية مالية !؟ أوليست البطاقة باباً من أبواب الفساد أيضا؟ فالذي لا يحمل بطاقة ائتمان يضطرلشراء الخدمة! وهنا يتلمس المواطن بأن الدولة الموجودة لحمايته باتت ذئبا ينهش في لحمه! بطاقة الأئتمان وأن اختُرِعَت منذ زمن بعيد، أِلا أن لها أبعادها الخطيرة جدا، حيث تُرزِح المواطن تحت دين، وتسيطر عليه في كل نفَسٍ من أنفاسه، وتعرِّض كل ما يملكه للقرصنة والتشليح، وتسُوق من يحملها الى حياة ألكترونية مادية، بعيدة عن كل ما هو عملي طبيعي جسديا وفكريا، بحيث يصبح العقل تدريجا معتادا على الأجراءات الألكترونية، ومسخَّرا للآلة، وبالتالي يصبح هو مملوكا من المشرفين على نظام الكتروني غير ملموس، يعرض كل شيء دون استثناء لأخطار الزوال الأنساني البشري، المخلوق من العزة الألهية._
كما وأن بطاقة الأئتمان باتت مَدْخلًا جديدا وطريقة سلسة لاستعادة ثقة الشعب بالمصارف! فهي أداة تدجين، وكمَّاشة تقضي على تعب المواطن المسالم المناضل وتفقره! ولا نعرف متى تحل كارثة بمؤامرة مصرفية - مالية أخرى تهدم الاقتصاد الوطني وتقضي على مستقبل أجيال، وتُضَيِّع حقوق كل مواطن مالِكٍ أو مُدَّخِر لتعبه. أِنها طريقة تقود حاملها الى هلاكه، والقبض على مستقبله، بكل ما للكلمة من معان، لا يعرف عنها الا من يدركها، خصوصا مع الذكاء الأصطناعي الذي يجتاح العقول._
اضافة الى ان اعتماد الدولة للمعلوماتية، تُعرِّض حقوق المواطن للقرصنة، وتزرع الفوضى. فالتوثيق الألكتروني غير محمود العواقب، ويبقى مخروقا مع وجود تقنية محترفة، فكيف يكون الحال عند غياب تلك الأحترافية، وعند التعطيل الكلي للأنترنت وللحواسيب وللتواصل في ظل الحرب القائمة في البحرالأحمر أو في غير مكان من العالم له علاقة بالشبكة الألكترونية، تماما كما حصل في مطار بيروت عند تعرض شاشات الوصول والأقلاع للأختراق؟ وكما حصل مؤخرا بالأعلان عن تسريب خرائط خطيرة وحّساسة تتعلق بالشبكة العنكبوتية الداخلية في مطار بيروت، حيث تم تسريب شيفرة المطار، وبعضا من الرموز الداخلية! ولا ننسى أيضا بأنه سرت معلومة أكيدة بأن أحد وزراء الداخلية الذي أصبح مسؤولا أمنيا في الخارج، سحب كل المعلومات المتعلقة بنفوس المواطنين، وسلَّمهم الى مراجع غريبة، وكوفيء بوظيفته الحالية. أن التوثيق الرقمي ما هو ألا بداية للسيطرة على البشر وعلى كل ما يملكوه، وهذا يعيدنا الى المؤامرة المُحَاكَة ضد البشرية، وضد حرية ابن الأنسان._
تطويرالأنظمة الأدارية الرسمية لمصلحة المواطن هو تدبير يسرع في عمل الدولة لتلبية حاجات المواطنين، ولا يرفضه أحد، أن كان سليما متعافيا من الأخطاء والمطبَّات، ومحميا من أي خرق، شرط أن يترافق مع النظام القديم المُتَمثِّل بالسجلات المكتوبة وبالوثائق الخطية الورقية. لكن هذه الأنظمة تهدّد حرية اللبناني التي وُلِد فيها، وترعرع في أحضانها. تكفيه معاناته من المصارف وما حلّ بودائعه، والفقرالمتزايد مع التضخم المالي الذي يؤدي الى تدني قيمة العملة الوطنية، وغلاء المعيشة، فضلا عن مآزق أخرى أوقعوا الشعب اللبناني المسالِم بها، أبرزها الأمن المتزعزع، والضرائب المتراكمة والمتضخمة التي تفرضها الدولة عشوائيا!!_
ننام على امل ونستيقظ على مصيبة في حل مشاكل الدولة من جيوبنا!! الشعب ينازع، وهنا نتحدث ليس عن أفرادٍ انما عن عائلات واجيال قادمة، فألى أين نحن مُتَّجهين؟ هلاّ نتخلى عن الوجاهة والتباهي المؤدي الى المجهول، ونعود الى ارض السلام والثقة الحميدة في كل ما نقرِّر وننفذ؟ كفّوا يا أيها المسؤولين عن النفخ في البالون، فلا التدجين سيسري بسلام، ولا الصمت سيظل صامتا، فوهة البركان على شفير الأنفجار، ولن يسلم منها أحد، ولبنان بكيانه المعروف سوف تزيلوه بما تقترفه أياديكم وعقولكم، والله ولي التدبير..!