المحامي رولان غنطوس والمراباة

هل المراباة، وهي الأخذ من المستدين أكثر مما أعطاه الدائن، جرم يُعاقب عليه؟

المحامي اللامع الأستاذ رولان غنطوس يوضح للرأي العام ما هو هذا الجرم وما خلفياته، ولماذا يقع المستدين في حفرة لا يخرج منها؟ لا سيما أن هذا الجرم ظاهرته المتفشية شيكات من دون رصيد يقع في جرمه الساحب والقابل به. ماذا يقول المحامي رولان غنطوس حول هذا الجرم:

المراباة جرم، ومن يمارسها يُدْعى في النص القانوني مرابي. والمراباة أي الفائدة الربوية ينص عليها القانون تحت عنوان الاحتيال وضروب الغش. أما الدين بالفائدة فهولا يُعدّ جرما. فالفائدة القانونية تتراوح نسبتها بين ال 9% وال12% وهي ليست جرما عندما توثق بقيود عقارية، لكن عندما تتخطى هذه النسبة تصبح مراباة. ويمكن ان يصار الى الاتفاق على الفائدة مهما علت نسبتها. لكن عندما تتحول الفائدة الى فائدة غير تجارية وتتخطى نسبة المعقول، كالذي يستدين مبلغا من المال، ويأخذ الدائن نسبة 10 % عليه في الشهر  بدلا من ال 9% في السنة، تلك النسبة تجعل الفائدة هذه فائدة الربا.

وشدد المحامي غنطوس القول " لدينا مشكلة في النص. هو غير واضح. "يستغل طيبة ذات يده،  فيبتزه!"

مؤخرا بات الدائن يستخدم في مقابل الدين ضمانات سحب الشيكات، بدلا من توقيع السند، فيبدأ الدائن المرابي بالضغط على المستدين ويطالبه بفائدة آخر الشهر، تحت ضغط التهديد بحبسه، فيما الشيك في القانون لا يمثل ضمانة. لكن الشيك يبقى مع الدائن سيفا مسلطا على عنق المستدين، ليبتزه. المشكلة ان ال 10% في الشهر فائدة، وفق ما يفعله المرابون، يكون المرابي قد حصَّل قيمة الدين الوارد في الشيك، من الفائدة ال 10% ، ثم يطالب المستدين بقيمة الدين الاساسي، فيكون بذلك قبض قيمة الشيك مرتين، وهنا تكمن المشكلة. لهذا صدر تعميم عن المدعي العام التمييزي في حينه، القاضي سعيد ميرزا، طلب فيه من قضاة القضاء الواقف التشديد مع المرابين! لكن كيف يمكن ذلك طالما ان المستدين  يعطي العذر باتمام عملياته التجارية. وهنا يتلاشى جرم المراباة، ويجد القاضي صعوبة في اثبات الجرم، لا سيما ان المرابي يعتاد على المراباة، فيمارسها مهنة له، في ضوء وجود عدد كبير من الدائنين من جهة، والصعوبات التي يواجهها المستدين لدى طلب القرض من مصرف ما! فالمحتاج يفضل اجراء عملية هجرة الى اوستراليا من تقديم الوثائق للمصرف الذي يرغب الاستدانة منه.

ويضيف الاستاذ غنطوس " مشكلة المرابي انه يفترس المستدين والمراباة تسمى باللغة الانكليزية  " قرض القرش" وهي كلمة معبرة جدا. والمراباة محرمة بكل الاديان السماوية، علما ان القوانين تؤخذ من الانظمة الطبيعية للكون، وهي تستوحى من التشريعات السماوية، وهو ما تفعله لجنة التشريع والقانون. ولا بد من توضيح ذلك، وعلى سبيل المثال فان المسلمين يمنعوا المراباة كالتبني ولا يمكن الزامهم بالقانون. فالمراعاة للأديان واجب ولنكن واضحين لهذه الجهة."

اما لجهة المسؤولية  وعلى من تقع في عملية المراباة، فقد شدد المحامي غنطوس ان المسؤولية تقع على الفريقين، لأن الاول احتاج للمال فاستدان بالربا ووقع على شيك، والثاني يستفيد من ماله بفائدة مرتفعة النسبة. والذي وقّع على الشيك يُعاقَب بموجب المادة 666 من قانون العقوبات، وتؤدي به الى السجن وفقا لما يرتئيه القاضي، لأن الجرم جرم جزائي. وهنالك غرامة العطل والضرر والتعويض، لكن في المقابل فان المدعي على المرابي، أمامه عبء الاثبات، لا سيما انه يمكن للمرابي ان يفيد التحقيق بأن المدعي أخذ الشك مؤجلا مع علمه بالامر. وهذا يُعدُّ جرم آخر منفصل عن جرم المراباة، ولا بد للقاضي ان يلعب دوره في كشف الحقيققة وربط الوقائع عندما يقول المدعي ان المرابي قبل بالشيك وهو يعرف انه من دون رصيد، رغم انه غير ضامنه. يمارس القاضي سلطته بالتشدد اثناء التحقيق وبعده، لكن هنالك قضاة لديهم القناعة بأن الشيك هو شيك.

وأردف غنطوس، نص جرم المراباة يحتاج الى تعديل، هو موضوع من العام 1943 وليس فعالا، وان وضعنا في النص كلمة "استغلال" يصبح امام القاضي امكانية الاجتهاد. ويضيف غنطوس، مجرد القول ان المال اعطي لشأن تجاري لا تعود الفائدة مراباة. وان استطاع الضحية تقديم الاثبات بان الشيك له سبب غير مشروع يمكن الوصول الى نتيجة تضبط المرابين وتخلص الضحايا.

بعض المرابين يلحقوا المستدين لجعله يوقع على وكالة غير قابلة للعزل ببيع منزله. وعادة من يقع في براثن المرابين يوقع من دون ان يعلم على ماذا وقّع! ولا بد من محاسبة المرابين هؤلاء وهم من القلة، لأن من يسلط سيفا فوق عنقه يصبح خائفا على عائلته ومن الدخول الى السجن. فالمستدين بفائدة 10% في الشهر يضطر لتسديد الفائدة المستحقة للمرابي، بالاستدانة من مراب آخر، فيقع في المحظور، ولا يستطيع النهوض من حفر المرابين، فيخرب حياته ومستقبله امام جشع المرابين هؤلاء. هناك من يلجا الى القضاء ليثبت انه تعرض لعملية احتيال وابتزاز. والاحتيال الواقع في هذه الحال يكون عبر المناورات لالزام المستدين بتوقيع شيك من دون رصيد. ومن يقع ضحية المرابين بالسند والشيك يسهل عليه الادعاء .