كتاب قيم للدكتور في الحقوق عبده يونس قوانين الأرث والوصية وتحرير التركات   والمساواة بين الذكر والأنثى في الأراضي الأميرية

يقولون:"حظ الأنثى مثل حظ الذكر"، أو "حظ الذكر مثل حظ الأنثيين". جملتان نسمعهما في كل حين بين المواطنين محمديين وغير محمديين عند توزيع الارث على الورثة، وفي المناقشات القانونية الحقوقية  للمحامين الذين يتابعون قضايا الأرث، خصوصا ذلك الأرث في المناطق الأميرية والذي لم يُحصَر بعد بين الورثة لأجيالٍ متلاحِقة._

فالنصوص المشرعة قديما في لبنان منقولة عن القوانين الفرنسية، وخصوصا القانون العثماني تاريخ 23 حزيران 1912، ولا ينقصها سوى سدّ الثغرات مع مرور الزمن وتبدّل الظروف. لكن المشكلة  تقع في أساءة التطبيق لها. ومع صراحة النصوص ووضوحها يُصَعِّب الأختصاصيون فهمها، ويدخلوا في جدل بيزنطي بحجة أحقاق الحق، لا طائل منه ولا ضرورة مطلقا له._

وفي مقارنة بسيطة، فكما أن حبوب الكبتاغون محظورة، لاحتوائها على مادة الأمفيتامين المنشِّطة والخطرة والممنوع استهلاكها، ألا أنه صدر فيها قرارات قضائية اعتُبِرَت لدى أكثر من قاض أنها مادة غير مخدرة ويمكن استخدامها!!_

كذلك هو الأمر بالنسبة لمسألة توزيع الأرث، حيث نشط بعضُ القضاة في بعض الاقضية البعيدة في توريث الذكرضعف حظ الأنثى، أي تطبيق القاعدة "حظ الذكر مثل حظ الأنثيين"، فيما القانون صريح وواضح، لأن الأرث لدى الطوائف غير المحمدية، وبموجب القوانين العثمانية السابقة منها القانون 21 شباط 1912، يُوزع الأرث للأنثى والذكر مناصفة._

وهو ما أوضحه الدكتور في الحقوق، المحامي في الأستئناف والأستاذ الجامعي عبده يونس، بالأستناد الى القوانين مرعية الأجراء، والى دراسات وكتب كثيرة هامة، بينها كتابان ليوسف نهرا، تتضمن أحكام الأحوال الشخصية - الأرث 1966، وأحكام الوصية والأرث 1973. كتاب الوصايا والهبات والأرث، الاحوال الشخصية - الأرث بلا وصية، وهو خلاصة محاضرات لأدمون كسبار. كتاب قانون الأرث عند غيرالمحمديين  1996 لفؤاد الضاهر. كتاب الأرث لدى جميع الطوائف - صادر 2000، لفؤاد يوسف نهرا وخليل أنطوان صفير. كتاب قانون الارث لغير المحمديين 2008 للقاضي الياس ناصيف. كتاب الاحوال الشخصية الاسلامية والمسيحية 2016، وكتب للدكتور ابراهيم نجار تتعلق بالاحوال الشخصية، ومجموعات قانونية لباز، حاتم وقرطباوي، صادر، أبي نادر، حسين زين 1980 ومجلة العدل._

نبذة تاريخية

يقول الدكتور يونس في كتابه بعدما عرّف ما هو الأرث " بأن التاريخ عرَف أنواعاً  شتَّى من الأرث بينها الديني والسياسي. لكن الحديث في القرن التاسع عشر، خصوصا في الأراضي التي كانت تابعة للسلطنة العثمانية، حين كانت الطوائف غير الأسلامية تُطبِّق تلقائيا أحكام الشريعة الأسلامية في مسائل الأرث والوصية، وفقا للمذهب الحنفي، كونه المذهب الرسمي للدولة العثمانية آنذاك._

وكانت أحكام هذه الشريعة تُطبَّق على التركات المنقولة وغير المنقولة المتعلقة بمواطني تلك الدولة، مسلمين كانوا أم غير مسلمين. لكن السلطنة العثمانية استثنت المواطنين الذين يعيشون في الأراضي الأميرية من أحكام الشريعة الأسلامية في مسائل الأرث وكذلك الأملاك الموقوفة، بعدما أخضعت الدولة العثمانية تلك المناطق الأميرية لنظام خاص بموجب قانون 21 شباط 1328هجرية أي 1912 ميلادية، وقد ساوى هذا النظام الخاص في حق الانتقال بين الذكور والأناث، المادة 2 منه._

 ثم صدر قانون حقوق العائلة بتاريخ 25 تشرين الأول 1917 المتعلق بأحكام الزواج والطلاق لمختلف الطوائف، فأَلْغَتْ المادة 156 منه حق رؤساء الطوائف الفصل في النزاعات المتعلقة بابناء طوائفهم. تلاه قانون اصول المحاكمات الشرعية الذي أعطى للقاضي الشرعي فقط، حق النظر في قضايا الاحوال الشخصية. وكان صدر هذا القانون في العام 1918، لكن لم يكتب له التطبيق، لتزامنه مع خسارة السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الأولى واندحارها._

ومع دخول لبنان مرحلة جديدة وهي الانتداب الفرنسي، أعيدت الصلاحية لرجال الدين للنظر في قضايا الأحوال الشخصية، وأصدر حاكم لبنان الكبير قرارا برقم 1003 يوم 17 كانون الاول 1921 بهذا الشأن. كما أصدر حاكم لبنان الكبير قرارا تشريعيا في 27 كانون الثاني 1926 رقمه 3502 اعترف بموجبه بالمذهب الجعفري، فيما بقيت المحاكم الشرعية الاسلامية – غير الجعفرية – تحكم بمقتضى قانون حقوق العائلة 25 تشرين الاول 1917 وذلك تحت وطأة احتجاجات مسلمي لبنان وسوريا._

ويوم 28 نيسان 1926 منح الانتداب الفرنسي المحاكم الروحية المسيحية حق الفصل في قضايا الزواج وانحلاله والنفقة. ويوم 3 شباط 1930 صدر المرسوم الاشتراعي رقم 6 الذي أخضع بموجبه قضايا الوصية واثبات الوفاة وانحصار الارث وتوزيع الحصص الارثية، وتحرير التركات المتعلقة بغيرالمحمديين لصلاحية المحاكم المدنية مع بعض الأستثناءات لناحية القُصَّر._

ومع صدور القانون 23 حزيران 1959 الذي هو قانون الأرث لغير المحمديين، يليه القرار 60 ل.ر يوم 13 اذار 1936 لأقرار أنظمة الطوائف الدينية واختصاصاتها وصلاحياتها في مجال الاحوال الشخصية، والقرار الْمُتمِّم له رقم 146 ل.ر تاريخ 18 تشرين الثاني 1938، اعترض المسلمون في لبنان وسوريا على القرار 60 وما يليه فاضطرت سلطة الانتداب الى تقريرعدم تطبيق القرار على المسلمين._

وصدر بناء للطلب يوم 7 اذار 1929 قانون الوصية لغير المحمديين، بحيث أصبحت المحاكم العادية صاحبة الاختصاص للنظر في قضايا الوصية لغير المحمديين._

وصدر قانون محاكم المذهب الدرزي في 25 ايار 1929 رقم القرار 2582.  ثم صدر في 9 كانون الاول 1930 قرارأعطى تلك المحاكم صلاحية النظر في الاحوال الشخصية لمحاكم الطائفة الدرزية. وصدر يوم 24 شباط 1948 قانون الاحوال الشخصية للطائفة الدرزية المستمد من المذهب الحنفي الاسلامي. عُدِّل في 17 تشرين الاول 2017 تحت الرقم 58. وصدر قانون تنظيم القضاء المذهبي الدرزي يوم 5 آذار 1960.

اما قضايا الاحوال الشخصية لدى الطوائف غير المحمدية فقد باتت خاضعة للمحاكم المدنية بعد أن صدر المرسوم الاشتراعي رقم 6 تاريخ 3 شباط 1930. ثم صدر قانون 1959 لغير المحمديين الذي وضع احكاما خاصة بالقُصَّر. وقد تضمن أحكاما مخالفة للأحكام الشرعية التي كانت مطبقة على غير المسلمين وعلى غير الأراضي الأميرية . _

وكان صدر المرسوم الاشتراعي رقم 242 تاريخ 24 تشرين الثاني 1942 لينظم القضاء الشرعي السني والجعفري، وعُدِّل بموجب القانون الصادر في 16 تموز من العام 1962 وهو لا يزال ساري المفعول._

كما كان ايضا وُضِع مشروع قانون الأرث ليشمل كل الطوائف من دون تمييز، الا ان احتجاجات الطوائف الاسلامية عليه، لتَعَارُضِه مع نصوص قرآنية، أوْجب أعادة النظر به، ليُطبَّق فقط على غير المحمديين._ "

كتاب الدكتورعبده يونس الذي استند فيه الى مراجع هامة متخصصة، والى خبرته في وزارة الداخلية دائرة الشؤون القانونية، يفيد القارىء العادي والحقوقي المتخصص معا، لأنه يجمع كل القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية في بوتقة واحدة، ويضيء على حقائق غاب عنها كثيرون، منها توزيع الارث في الاراضي الأميرية، بحيث يكشف بصورة غير مباشرة عن أخطاءِ المساعدين القضائيين الذين كُلِّفوا من رؤسائهم وعلى مدى سنين، تدوين قرارات حصر أرث رجائية!

ورغم أن القرارات الرجائية يمكن تعديلها وتصحيحها، ألا أن تلك الأخطاءْ تسببت بخسارات كبيرة وبظلم لا يمكن رفعه عن أصحابها، أذ طبق المساعدون القضائيون الذين كلفوا من رؤسائهم تدوين قرارات حصر الأرث الرجائية التي في المبدأ العام يمكن تصحيحها وتعديلها، طبقوا احكام الشرع الاسلامي الحنفي على الطوائف غير المحمدية في الاراضي الأميرية، بحيث أُعطوا الذكور حظاً من الأرث مثل حظ أنثيين اثنتين!! وتجاهلوا القانون 23 حزيران 1912 الخاص بالأراضي الأميرية الذي يؤكد ويشدد في مادته الثانية على توريث الأنثى تماما مثل توريث الذكر، أي مناصفة._

فالقانون العثماني الصادر في 21 شباط 1912 الذي كان مطبقا على المسيحيين غير المحمديين، وفقط في الاراضي الاميرية، ينص في مادته الثانية على "ان الذكور والاناث من الاولاد والاحفاد متساوون في حق الانتقال في المناطق الأميرية". وهذا القانون لا يزال ساري المفعول بحق تركات المسلمين فقط، بعد صدور قانون 23 حزيران 1959 لغير المحمديين، والذي حلَّ محل قانون 21 شباط 1912.

وهكذا ولَّدت التقسيمات العقارية الأرثية مجتمعات متباينة، وجذَّرت الطائفية والمذهبية، ورسَّخت العصبية المدمرة للبشرية. كتاب رائع في موضوعيته ومقارنته واختصاره للواقع الذي نعيشه اليوم من تناحر مذهبي طائفي يتجذَّر، وسوف يؤدي الى تقسيمات طائفية جغرافية تنشط في تطبيقها والسير بها الدول الكبرى للتخلص من قضايا شائكة لم تحل ولا يمكن حلها في ظل الفكر المنغلق على العصبية والهيمنة المذهبية الطائفية على الرعايا._