تحديات الجيل الجديد اكتساب قدرة الخيال في المجال القانوني

مقالة حديثة بموضوعها، كتبتها الدكتورة سيبيل جلول باللغة الفرنسية ونشرتها مجلة "سينياتيير أنترناسيونال" الصادرة عن الجمعية الفرنسية "أي.أف.أف.دي"، وهي تتناول التحديات التي ترافق جيل الشباب في المجال القانوني، في ضوء التطور الألكتروني ونظام الذكاء الأِصطناعي الذي يغزو كافة مفاصل الحياة، ، وتدعو لاستخدام الخيال وابتداع الأفكار والحلول. تقول دكتورة جلول في مقالتها:_

بات التطورالتكنولوجي يخلق جوا جديدا من التعاطي القانوني، بحيث يسطرتدريجا نهاية لحقبة تاريخية، ويشكل ثورة من التضخم في القواعد القانونية، وليونة في الضوابط، وتعقيد في الأنظمة القانونية. وهذا التحول في المجال القانوني يستوجب أحيانا من الباحثين والقانونيين الشباب نوعا من الخيال لاستدراك المستقبل بأمان، وصولا الى الحلم بأحكام قانونية جديدة. ويحُثُّ واقع التكنولوجيا الجديد، وغزو الذكاء الأصطناعي لكل المفاهيم والعلوم، البحث عن سبلٍ لتقوية قواعد العدالة، ويفتح للأحلأم آفاقها بقوانين تتماشى مع العصر. فالخيال في البحث عن حلول، يدفع الى الخلق والى ابتكار القوانين والحلول والنظريات القانونية. وبالتالي فأن مواجهة مضمار التكنولوجيا والذكاء الأصطناعي تحتاج الى الأبداع في المجالات القانونية، وهذا هو يوم التحدي الجديد الذي ينتظر جيل الشباب._

أنها الثورة الحديثة التي ستزيل كل الحواجزمع المفاهيم والقواعد القانونية الجديدة، وسوف تُسْأَل عن مصير ومستقبل القانون وقواعده. مفاهيم حديثة سوف تولد، كالحق بحرمة الحياة الخاصة في هذا العالم الوهمي، حيث نسافر في المكان والزمان. والحق في الحصول على المعلومات في عالم المعلومات الألكترونية._

من هنا ستُواجِه هذه المفاهيم التقليدية المعروفة سابقا تحولا أكيدا، وسيؤدي هذا التحول الى تحديثٍ في فهم القانون. ومن ناحية اخرى يلاحظ وجود تطورفي ضخامة المعلومات الموجودة على الانترنت وتنوعها، لا سيما وان رجل القانون اليوم يحتاج لنشر ثقافته وأفكاره، كما يحتاج لأن يُعرف من جيل الشباب، هواة الطرق التكنولوجية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي.

هذه المظاهر سوف تدفع بالشباب الى خلق حلول حديثة متعلقة بقواعد العدالة والنزاهة، خصوصا في مفهوم الشفافية الذي سيصبح ملزما لا بل ضرورة ملحة وبالتالي فأن هذا العالم الخيالي غير خال من المشاكل التي تحتاج لحلول معاصرة.

وتضيء المقالة على نوعين من المشاكل التي تسببها الذكاء الاصطناعي وتطوره في هذا العلم الجديد، باحثة في نموذجين من القواعد القانونية التي ستشهد تحولا على مستوى المفهوم بحد ذاته.

ويتعلق المثل الأول بحق الحصول على المعلومات، يقابله حرية أبداء الرأي والتعبير عن الأفكار. وهي بحد ذاتها قواعد تقليدية ، لكنها اليوم خلقت تحديا جديدا لأِعادة تفسير مضمونها من خلال استعمال وسائل حديثة ألا وهي وسائل التكنولوجيا والذكاء الأصطناعي. أما الأشكالية الأساسية والحديثة التي ظهرت اليوم هي في مدى صحة ودقة المعلومات المنشورة، فضلا عن ضرورة ضمان حصول المواطنين على المعلومات التي تخولهم المشاركة في الحياة الديمقراطية واتخاذ القرارات التي تقلق مستقبلهم ومصير حياتهم اليومية. يضاف الى ذلك ما يؤمنه نشر الوثائق الادارية من اجابة على مبدأ الشفافية.

غير أن أهم المشكلات هي في حماية حقوق المؤلف، ومصير هذه الحقوق في ظل التكنولوجيا الحديثة. بحيث يطرح سؤال جديد حول ما اذا كانت شروط قانونية جديدة يجب ان تفرض لحمياة حق المؤلف. هذه التحديات تعيد تسليط الضوء على عدة مباديء لا سيما الاخلاقية منها التي لا تدرس في النصوص. فالقواعد الاخلاقية تلعب دورا في حق الانسان بالحصول على المعلومات بحيث يطرح السؤال الجديد هل يجب قول الحقيقة دائما؟ أو يمكن المحافظة على بعض الأسرار؟

هل يجب البوح بكل المعلومات التي نملكها؟ أو يجب الأبقاء على بعضها خاصة؟ هل تبقى القواعد ذاتها مطبقة؟ بعدما ابتعدنا عن التخاطب وجها لوجه ومع اشخاص مجهولين!!

كل هذه التساؤلات تفتح الباب امام ضرورة البحث في نموذج ثان يعكس بدوره تطويرا للمفاهيم في ظل الذكاء الأصطناعي وهو مفهوم الحياة الخاصة.

أن مفهوم الحياة الخاصة غير معرف من القانون لكن له ابعاد وطنية ودولية. وهو بالرغم من كونه مفهوم تقليدي يواجه الحياة الخاصة بالحياة العامة او السياسية لأنه يشهد بدوره تحولا كبيرا ويحتاج الى اعادة تحديد وتوضيع.

أما اليوم ومع منصات الفيسبوك وتويتر وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي يمكن معرفة كل شيء عن أي كان. اصبحنا نعيش في قرية صغيرة من نتائجها اعادة نشرالشائعات وخرق الحرمة الشخصية للأفراد، والتشهير وغيرها من الافعال الجرمية وغير الجرمية التي يخلقها هذا العالم الجديد.

بالرغم من السيئات التي يعكسها هذا الأمر، غير انه من اشهر التطبيقات للذكاء الأصطناعي البحث عن توظيف مرشحين شباب، حيث يطلع رب العمل عبرالانترنت للحصول على معلومات حول المتبارين قد تصل الى حد الحصول على معلومات شخصية (صور خاصة، آراء سياسية..)

هذا النموذج يعكس مدى تطورمفهوم الحياة الخاصة التي قد تنعكس على حرية المرء في نشر معلومات تخصه، كما تعكس في المقابل حريته في عدم نشرها، بينما الموجب اليوم ايجابي اكثر حيث يجنح اغلبية الافراد الى نشر معلومات خاصة تحت شعار حرية الحياة الشخصية وأظهار أكبر "للأنا" و "للذات" عن طريق نشر معلومات خاصة.

تناولت المقالة هذه المواضيع وغيرها المتعلقة بالقواعد الاخلاقية ودورها في اعادة صقل مفاهيم تقليدية كي تنسجم اليوم مع التطور التكنولوجي ودور الذكاء الأصطناعي في حياتنا اليومية.

هذا التغيير يحتاج حتما الى تغييرالنظرة للقواعد القانونية واعادة ترويضها لتتلاءم مع الواقع الجديد.

لم تغفل المقالة تأثير النشر المجاني، أوالحصول على المعلومات من دون مقابل مادي وتأثير ذلك على الاقتصاد.     

أخيرا تطرقت المقالة الى دراسات واجتهادات نشرت في دول متعددة ومقتبسة عن الشُرَع العالمية والاعلانات العالمية لحقوق الانسان. كما ركزت المقالة في ختامها على ان ظهور الوسائل التكنولوجية والذكاء الاصطناعي استدعى تغييرات حاسمة سواء في المجتمع، أو في القوانين. تغييرات قلبت الموازين في نوعية الحياة اليومية العائدة للأفراد، أن كان على مستوى التعليم عن بعد، اوعلى مستوى تطبيق القانون (ليونة القاعدة القانونية، التوقيع الألكتروني والدعاوى، التحقيقات الجزائية،..)

       دكتوره سيبيل سمير جلول، متخصصة في قانون الأعمال، وأستاذة في مادة القانون الخاص في الجامعة اللبنانية، كلية الحقوق والعلوم السياسية والادارية. لها خبرة تعليمية منذ العام 2000 في قوانين الأعمال والتجارة. مارست المحاماة عشر سنوات، ثم تفرغت للتعليم وتأليف الكتب القانونية. لها كتاب المعرفة العملية بين براءة الأختراع ومفهوم السرية، والمعرفة العملية في القانون بين النظرية والتطبيق، ونظام الأفلاس وخصائصه، ومفهوم الاموال وتصنيفاتها، ومدخل الى الحقوق العينية العقارية. كما لها دراسات باللغة العربية والفرنسية منشورة في عدة وسائل مكتوبة، كمجلة الحياة النيابية، مجلة العدل، مجلة الحقوق، وبعض المجلات الأجنبية منها مجلة "سينياتيير انترناسيونال" الفرنسية. كما نُشِرَت لها مقالات عدة على صفحات المواقع الالكترونية. وشاركت دكتوره جلول في محاضرات وندوات قانونية وفي أبحاث مع بعض الكليات لمشاريع مختلفة، منها مشروع أعطاء شهادة مهنية بدرجة ماستر لطلاب يمتهنوا " أدارة التحقيقات الخاصة".