أختلفوا على الحق بالسمسرة وناقضوا في الوقائع فكان للسمسار حقه في حكم البداية

تقدم  المدعي (السمسار ) من المحكمة الابتدائية في بيروت الناظرة في القضايا المالية، والمؤلفة من القضاة الرئيسة زلفا الحسن والمستشارتين لارا كوزاك ونانسي كرم، بشكوى، طلب فيها الزام المدعى عليهما: المحامي ع.أ  و   ع. ر، دفع بدل عمولة بيع عقار في الاشرفية يعود للمدعى عليه الثاني ع. ر، والبالغة قيمتها 180 ألف د.أ، والزام المدعى عليه ن.ه الشاري بدفع المبلغ ذاته، مع الفائدة القانونية من تاريخ الادعاء وحتى تاريخ الدفع الفعلي، مدلياً بأنه قام بأعمال السمسرة لهذه الناحية، وقام أيضا وبناء لطلب المحامي ع.أ وكيل المدعى عليه ع.ر باجراء معاملات تتعلق بالعقار المذكور أعلاه، كما قام باعداد دراسة لبيان الجدوى الاقتصادية من العقار وتأمين شارٍ له، وهو المدعى عليه ن.ه.

وطلب المدعى عليهم ردّ الدعوى لعدم ثبوتها ولعدم صحتها ولعدم قانونيتها، لان المدعي لم يكلّف من قبل المحامي ع.أ بتأمين شارِ للعقار، ولانّ بدل السمسرة سُدّد للسيدين ع. ز، و  م. ت من قبل المدعى عليه ن.ه، بموجب شكين بقيمة 30 ألف د.أ.

فكان ان حكمت المحكمة بالاجماع، بردّ الدعوى عن المدعى عليه المحامي ع. ز، لعدم الصفة. وبردّ الدعوى عن المدعى عليهما ك. س  و  ج. ج.

وقد أفهمت المحكمة حكمها في القضية علناً في بيروت بتاريخ 28/2/2019 فألزمت المدعى عليه ع.ر. بتسديد مبلغ 95 ألف د.أ (خمس وتسعين ألف دولار أميركي) للمدعي، وألزمت المدعى عليه ن. ه بتسديد مبلغ 95 ألف د.أ (خمس وتسعين ألف دولار أميركي) للمدعي، أو ما يعادل هذين المبلغين بالليرة اللبنانية بتاريخ الدفع الفعلي، مع الفائدة القانونية من تاريخ صدور الحكم وحتى تاريخ الدفع الفعلي. وردّت سائر الاسباب والمطالب الزائدة أو المخالفة. وضمنت المدعى عليهما ع. ر، و  ن.ه الرسوم والنفقات القانونية بالتكافل والتضامن.

وعللت هيئة المحكمة ما خلُصت أليه من نتائج مستندة الى القوانين مرعية الأجراء، فرأت أن المادة /291/ من قانون التجارة تعرّف السمسرة على انها عقد يلتزم به فريق يدعى السمسار، يُرْشد الفريق الآخر إلى واسطة لعقد اتفاق ما، أو أن يكون هو وسيطاً له في مفاوضات التعاقد وذلك مقابل أجر.

ورأت في السياق عينه أن المادة /293/ من قانون التجارة تنص على أن السمسار يستحق الأجر عندما تؤدي المعلومات التي أعطاها أو المفاوضة التي أجراها إلى عقد الاتفاق. واذا انعقد الاتفاق تحت شرط التعليق فلا يستحق الاجر إلا بعد تحقق الشرط.

 وأنه استناداً إلى تعريف ومفهوم عقد السمسرة، يقتضي على الأقل، أن يكلَّف السمسار من قِبَل شخص آخر بالقيام باعمال السمسرة ليستحق أجره، فيما لو أدّت المعلومات التي أعطاها السمسار أو المفاوضة التي أجراها إلى عقد اتفاق.

وحيث أن مشروع السمسرة يُعتبر سنداً لأحكام المادتين /6/ و/7/ من قانون التجارة عملاً تجارياً بطبيعته، فيجوز إثباته تجاه السمسار بمختلف طرق الاثبات، فيما يُسمح بالاثبات بالبينة الشخصية تجاه الفريق الآخر إذا كان تاجراً وأذا كان الهدف من العملية غايات تجارة الفريق الثاني.

وحيث يقتضي بادىء ذي بدء البحث في مدى صفة المحامي ع.أ للادعاء بوجهه ومطالبته ببدل السمسرة.

وحيث وفي ضوء كون المدعى عليه المحامي ع. أ وكيلاً للمدعى عليه ع.ر بموجب وكالة قضائية خاصة في الفترة التي تعرّف فيها على المدعي (السمسار) وكونه قام بتعريفهما على بعضهما البعض في هذه الفترة بصفته وكيلاً عن ع.ر، وعلى فرض ثبوت قيامه بتكليف المدعي (السمسار) بايجاد شارٍ للعقار العائد لموكّله، فإنه يكون قد تصرّف فقط تصرّف الوكيل، ولم يتصرّف لمصلحته الشخصية، ولم يكن هو بائع العقار الذي يمكن مطالبته ببدل السمسرة في حال ثبوت التعاقد، يقتضي ردّ الدعوى عنه لعدم الصفة.

وحيث ومن العودة إلى لائحة المدعى عليه ع.ر، الجوابية الأولى تاريخ 17/9/2015، يُدلي هذا الأخير بأنه رجل أعمال، فيُستدل مما تقدّم إلى أن الهدف من بيع المدعى عليه المذكور العقار موضوع الدعوى كان لغايات أعماله التجارية.

وحيث يتبين كذلك أن المدعى عليه ن.ه، مهندس وأنه كان يريد شراء عقار لغاية البناء عليه والمتاجرة بالشقق الناتجة عن البناء، وبالتالي فإن هدفه من شراء العقار المذكور كان أيضاً تجارياً.

وحيث يقتضي تبعاً لذلك اعتبار عقد السمسرة المدعى به خاضعاً لحرية الإثبات باعتباره عملاً تجارياً.

وحيث واستناداً لما تقدّم، يقتضي التحقّق من المعطيات والوقائع والادلة المتوفرة في الملف كافة، توصلاً للقول ما اذا كان المدعى عليهما ع.ر، و ن.ه ملزمين بأداء بدل سمسرة للمدعي.

وحيث إنه يفترض بالسمسار وفي إطار تحضير الصفقة والتهيئة لها أن يستحصل على الوثائق والمستندات اللازمة، كما يُفترض ان تترافق أعمال السمسرة مع أحداث وتصرفات يُستدل منها بشكل قاطع على الصلة السببية بين مساعي السمسار أو المعلومات التي اعطاها وبين إبرام العقد.

وحيث ومن التدقيق في الملف لهذه الناحية وفي أقوال المدعي والمدعى عليهم والشهود أثناء الاستجواب، يتبين:

• أن المدعي أبرز مع استحضار الدعوى أصل افادتين عقاريتين عائدتين للعقار موضوع النزاع رقم 1729 الاشرفية، الاولى مؤرخة في 5/9/2012 والثانية مؤرخة في 25/9/2012، بعد أن تم شطب اشارة التأمين عن صحيفة العقار المذكور، والمستندات المثبتة لقيام المدعي بمعاملة شطب اشارة التأمين لا سيما وكالة المدعى عليه ع.ر مالك العقار لشقيقته أ.ر، وعقد فك التأمين، وأصل افادة الارتفاق والتخطيط وبيان المساحة وخريطة الموقع، ما يدلّ بادىء ذي بدء على أن المدعي كلّف من المدعى عليه ع.ر ممثلاً بوكيله المحامي ع.أ، بفك التأمين المذكور وشطب اشارته عن الصحيفة العينية العائدة للعقار موضوع النزاع.
• أن المدعي أبرز أيضاً مع الاستحضار كتاب الوعد بشراء العقار المذكور والصادر عن المدعى عليه ن.ه، بتاريخ 1/10/2012، وهو يتضمن تعهّد هذا الاخير بشراء كامل أسهم العقار بمبلغ اجمالي قدره 7,200,000 د.أ، وأن التعهد يسري لمدة أسبوع من تاريخه وبانتهاء هذه المدة يصبح لاغياً حكماً وتلقائياً دون حاجة لأي معاملة، وهذا يؤيد ما ورد في أقوال الشاهد ن.ط، لجهة أنه استلم أصل كتاب الوعد بالشراء من م.س، التي ثبت من المستندات المبرزة أنها عملت مع المدعى عليه ك.س، في مجال العقارات، وهو أحد شراة العقار الى جانب المدعى عليه ن.ه، وسلّمه بدوره للمدعي (السمسار)، ولولا ذلك لما كان الكتاب المذكور موجوداً بحيازة هذا الاخير، ولم يثبت المدعى عليهم عكس ذلك أو استحصاله عليه بطريقة أخرى.
• أن المدعي (السمسار) أبرز كذلك مع الاستحضار دراسة الجدوى الاقتصادية للعقار والبناء المنوي تشييده عليه، والرسائل الالكترونية المرسلة منه الى بعض الاشخاص والمتضمنة هذه الدراسة، وهذا يشكل دليلاً على أنه كلّف باعداد هذه الدراسة وتسويقها.
• أن المدعي (السمسار) التقى بالمدعى عليه ع.ر، مالك العقار شخصياً، وذلك باقرار هذا الاخير الذي أفاد أنه تواصل معه مباشرة، والمحامي ع.أ، الذي أفاد أنهما التقيا مرة واحدة، كما أن ع.ر، أفاد أنه تواصل مع المدعي وتمّ التواصل عند طرح مسألة مقايضة العقار موضوع النزاع بشقة كائنة في منطقة الرملة البيضاء، وأن تكليف المدعي بموضوع المقايضة يعتبر داخلاً ضمن عملية بيع العقار وبالتالي يشكل دليلاً على تكليفه بايجاد شارٍ له.
• أنه يوجد تناقض واضح بين افادة المدعى عليه ع.ر، والشاهد المستمع اليه على سبيل المعلومات ع.ز، فالاول أفاد أن ع.ز، اتصل به على رقم هاتفه البلجيكي وعرّف عن نفسه أنه مهندس، في حين أفاد الثاني أن ع.ر، اتصل به وطلب منه ايجاد عقار ليشتريه، وهذا ما يقتضي اهمال افادتيهما لهذه الناحية.
• أنه يوجد تناقض أيضاً بين افادة ع.ر، لجهة انكاره معرفته ب م.ت، شريك ع.ز، وبين افادة هذا الاخير لجهة أن م.ت، كان موجوداً في الاجتماعات التي حصلت بين اع.ر، و،  ن.ه.
• أنه لم يثبت في الملف أن الشكين المحرّرين من ن.ه، لأمر ع.ز، و م.ت، هما بدل سمسرة قام بها هذان الاخيران لاتمام صفقة بيع العقار موضوع النزاع، لان تاريخ الشكين هو 5/11/2013، في حين أن تاريخ عقد البيع الممسوح المنظم بنتيجة بيع العقار موضوع النزاع هو 19/8/2013، أي أنه مرّ حوالي 3 أشهر بين تاريخ البيع وتاريخ تنظيم الشكين، وما يعزز هذا القول هو ما أفاد به ع.ز، لجهة أنه يعمل في مجال السمسرة مع ن.ه، ويقبض منه مبالغ مقطوعة، مما يعني أنه يمكن للشكين أن يكونا دفعة لاعمال سمسرة غريبة عن عملية بيع العقار موضوع النزاع، وما يعزّزه أيضاً هو ضآلة قيمة بدل السمسرة البالغ 30 ألف د.أ ل ع.ز، و م.ت، معاً، مقارنة مع ثمن العقار الفعلي.
• أنه لم يثبت كذلك في الملف أن ع.ز، و م.ت، قاما بأعمال السمسرة اللازمة لاتمام عملية بيع العقار موضوع النزاع، لا سيما وأن ع.ز، أفاد أنه لا يعرف ثمن البيع المتفق عليه، ولايمكن لسمسار نجح في اتمام صفقة بيع عقار أن يجهل الثمن المتفق عليه والذي على أساسه تحدّد بدل أتعابه.
• أنه ثبت في الملف قيام المدعي (السمسار) بارسال رسائل بالبريد الالكتروني متعلقة بالعقار المذكور الى أشخاص آخرين، بعد تاريخ الوعد بالشراء الصادر عن ن.ه، مما يدل على أن المدعي (السمسار) كان يحاول تسويق العقار مع هؤلاء الاشخاص، على اعتبار أن صفقة البيع لم تتم مع ن.ه. 

وحيث من البيّن وفي ضوء ما تقدم وبالاستناد الى الادلة المذكورة أعلاه مجتمعة، وأهمّها ثبوت حصول اجتماع بين المدعي (السمسار) والبائع ع.ر، يتعلق بالعقار موضوع النزاع، وحيازة المدعي للمستندات الخاصة بهذا العقار لا سيما كتاب الوعد بالشراء الصادر عن ن.ه، ودراسة الجدوى الاقتصادية له، والتناقض الحاصل بين افادتي ع.ر، و ع.ت، وانعقاد البيع بين ع.ر، من جهة و ن.ه، بصفته الشخصية وبوكالته عن ك.س، و ج.ج، من جهة أخرى، أن المدعي (السمسار) كُلّف من قبل المحامي ع.أ، بصفته وكيلاً عن المدعى عليه ع.ر، بايجاد شارٍ للعقار المذكور، وأن المدعي وبنتيجة جهوده استلم الوعد بالشراء المؤرخ في 1/10/2012 من ن.ه، بواسطة ن.ط، الا أن ع.ر، لم يوافق ولم يتم البيع في حينه، انما تم بتاريخ لاحق في 20/8/2013 دون علم المدعي، وبالتالي تكون مردودة ادلاءات المدعى عليهم المخالفة.

وحيث من الثابت تبعاً لذلك أن أعمال السمسرة التي قام بها المدعي أدت بالنتيجة الى اتمام صفقة البيع بين المدعى عليهما ع.ر، و ن.ه، وأن هذين الاخيرين لم يسدّدا له بدل السمسرة المستحق له.

وحيث لم يثبت في الملف أن المدعى عليهما ك.س، وج.ج، قد تعرّفا على المدعي (السمسار) أو تعاملا معه أو كلّفاه بايجاد عقار لشرائه، بل ثبت فقط أن ن.ه، هو من أصدر الوعد بالشراء الذي استلمه المدعي، وأن علاقة السمسرة بقيت محصورة تبعاً لذلك مع هذا الاخير، الامر الذي يقضي برد الدعوى عن ك.س، و ج.ج.

وحيث أن بدل السمسرة المستحق للمدعي بذمة كل من المدعى عليهما المذكورين يعادل نسبة 2,5 % من ثمن العقار، أي من الثمن المذكور في عقد البيع الممسوح وهو 3,800,000 د.أ وليس الثمن المذكور في الوعد بالشراء لعدم ثبوت كونه الثمن الفعلي للعقار والذي بيع على أساسه.

وحيث أن بدل السمسرة المستحق للمدعي بذمة كل من المدعى عليهما يبلغ تبعاً لذلك 95 ألف د.أ، أي ما مجموعه 190 ألف د.أ.

وحيث يقتضي بالتالي الزام المدعى عليه ع.ر،  بتسديد مبلغ 95 ألف د.أ والمدعى عليه ن.ه، بتسديد مبلغ 95 ألف د.أ للمدعي، مع الفائدة القانونية من تاريخ صدور الحكم وحتى تاريخ الدفع الفعلي.

وحيث يقتضي أخيراً ردّ سائر الاسباب والمطالب الزائدة أو المخالفة، اما لعدم الجدوى أو لكونها لقيت رداً ضمنياً في ما سبق بيانه. يذكر ان الحكم يقبل الاستئناف.